languageFrançais

اسكندر الرقيق:علينا تأمين أمننا الغذائي.. فإذا جاع الشعب ستكون الكارثة

أكد المستشار الدولي في الاقتصاد ورجل الأعمال التونسي اسكندر الرقيق، خلال مقابلة أجرتها معه "موزاييك"، على هامش أعمال "منتدى الدوحة، أن الأزمة الروسية الأوكرانية ستكون لها تداعيات سلبية على الاقتصاد التونسي، مشدداً على ضرورة تأمين تونس لأمنها الغذائي.

كما أوضح أن ارتفاع الأسعار الأولية في السوق العالمية ستؤثر بشكل مباشر على على نسق الإنتاج وأسعار المواد الأساسية بالسوق الداخلية، التي رجح أنها ستتضاعف.

وشدد الرقيق على أن المحادثات مع صندوق النقد الدولي لا يمكن أن تتقدم دون حوار بين جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين، مقترحاً في هذا الإطار جملة من الحلول المستعجلة التي من شأنها المساهمة في الخروج من الأزمة الاقتصادية.

وإليكم النص الكامل للمقابلة التي أجرتها "موزاييك" مع الخبير الإقتصادي اسكندر الرقيق:

بدايةً، حدثنا عن محاور مشاركتكم في "منتدى الدوحة" ؟ 

مشاركتي في "منتدى الدوحة" تندرج ضمن اهتمامي بالجانب الإقتصادي. العالم يمر حالياً بفترة صعبة جداً بخصوص أمنه الغذائي، وفي هذا الإطار، أنا أعمل حالياً على عدة مشاريع في إفريقيا التي تعتبر سلة غذاء العالم، حيث أنني بصدد دراسة عدة مشروعات وصناديق للاستثمار الزراعي. ومن هذا المنطلق، تمت دعوتي لحضور هذا المنتدى العالمي الذي شهد مشاركة قادة دول ورجال أعمال ومستثمرين من كامل أنحاء العالم، الأمر الذي مكننا من الإطلاع على تجارب عدة دول. بعد خروجنا من أزمة كورونا، انتقلنا إلى الأزمة الروسية الأوكرانية، وهذا يشكل تهديداً جديداً للأمن الغذائي العالمي، الأمر الذي يدفعنا إلى حتمية التفكير حول إيجاد بدائل لوسائل التموين الغذائي، لأن روسيا وأوكرانيا يمثلان تقريباً 50% من التموين الغذائي بالنسبة للكثير من الدول. ومن أجل تحقيق ذلك، يجب تحسيس الناس بضرورة الاستثمار في المجال الزراعي، خاصة وأن دولاً عديدةً فتحت ذراعيها للاستثمار الأجنبي المباشر في هذا المجال الهام والواعد، الذي بإمكانه حل العديد من المشاكل التي تعيشها عدة دول في العالم. 


 برأيكم، ما هي تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد التونسي ؟

التداعيات ستكون كبيرةً خاصة في صورة استمرار هذه الأزمة، لذلك وجب على القائمين على الشأن العام في تونس أن يكونوا حريصين أكثر على التحرك السريع لإيجاد بدائل. الأسعار سترتفع كثيراً خلال الفترة القادمة، ويجب أخذ هذا بعين الاعتبار وبذل مجهودات كبيرة لتحسيس الشعب بحساسية المرحلة والبحث عن بدائل سريعة مع التشجيع على الزراعة في بلادنا. صحيح أن التغيرات المناخية أثرت على منسوب الأمطار في تونس، لكن، وبالرغم من ذلك، علينا تشجيع الفلاحين وخاصة الشباب منهم على الزراعة من أجل تأمين أمننا الغذائي. فإذا جاع الشعب ستكون الكارثة الكبرى، وهو ما يجعل من أمننا الغذائي أولوية الأوليات في تونس. 


ما هي انعكاسات ارتفاع الأسعار الأولية في السوق العالمية على نسق الإنتاج وأسعار المواد الأساسية بالسوق الداخلية ؟

ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج كالبترول والديزل، سيؤثر بشكل مباشر على تكلفة الإنتاج التي تضاعفت تقريباً منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما سيؤدي آلياً إلى غلاء المنتوجات وصعوبة إيجادها. حالياً، سجلنا إرتفاعاً واضحاً في تكلفة الغذاء في جميع أنحاء، وهو ما يدعونا لنكون جاهزين نفسياً وعملياً، من أجل التسريع في إيجاد البدائل، حتى نتجنب أزمة غذاء حذرت منها الأمم المتحدة وكل الخبراء في العالم، خاصة في إفريقيا والدول التي تعتمد على استيراد قمحها وشعيرها واعلافها من روسيا وأوكرانيا.


ما هو مستقبل المحادثات مع صندوق النقد الدولي ؟ هل يمكن التوصل إلى اتفاق مع دون حوار مع الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين ؟

يجب علينا الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في أقرب الآجال، لكن ذلك لن يحصل إلا إذا أحس الصندوق وشركاء تونس الماليين بأن هناك حواراً حقيقياً ورؤية داخلية موحدة لكيفية إصلاح البلاد. تونس تحتاج إصلاحاً، فهي كالمريض الذي يحتاج دواءً.. قد يكون مراً في بعض الأحيان. وبالتالي علينا اتخاذ قرارات جديدة بسرعة، مع البعث برسائل طمأنة لشركائنا في الخارج، عبر إثبات توافقنا الداخلي حول برنامج الإصلاح. ما ينقصنا حالياً في تونس هو الحوار الحقيقي الجاد والبناء دون خلفيات وخلافات. علينا التركيز على الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادنا وعلى برنامج الإصلاحات وكيفية إنعاش الإقتصاد لأن شعبنا ينتظر الكثير، وهو ما يتطلب تكثيف الجهود خاصة عبر توعية شعبنا حول ضرورة التفاعل مع الإصلاحات المطروحة، لأنه لا يمكن لأي شريك دولي أو أي جهة ممولة لميزانية الدولة أن تتعامل معنا دون وجود وحدة وطنية تعلي المصلحة العامة للبلاد. حان الوقت لإيقاف العبث بالدولة ومستقبل الأجيال القادمة، وذلك لن يتحقق إلا عبر الالتفاف على طاولة الحوار ووضع برنامج اقتصادي واضح نذهب به إلى شركائنا الدوليين.


ما هي دلالات تخفيض وكالة فيتش تصنيف تونس السيادي من "B-" إلى "CCC" ؟

وكالة "فيتش" تتوقع تخلف تونس عن سداد ديونها، وهذه حقائق موجودة على أرض الواقع. الدولة التونسية باتت عاجزة عن تمويل ميزانيتها، فكيف لها أن تتمكن من سداد ديونها الخارجية المتخلدة بذمتها. من الواضح أننا سنمر بفترة عجز كبير جداً، إلا في صورة توصلنا إلى توافق حول مشروع إقتصادي طموح وواعد نصلح به ما أفسده الدهر وما أفسدته التجارب الماضية لأناس فشلوا في إدارة لبلاد، سواءً كان ذلك قبل الثورة أو بعدها. المهم هو أن الوقت حان للتركيز على المستقبل، عبر حسن التعامل مع الأزمة الحالية التي يمر بها العالم وبرمجة خطة عملنا المستقبلية.


في تقديركم، ما هي أبرز النقاط المستعجلة التي يجب اتخاذها للخروج من الأزمة ؟

يجب علينا إصلاح المؤسسات العمومية ونظامنا الجبائي، إضافةً إلى خوصصة بعض الشركات التي تمثل عبئاً على الدولة. من الضروري أيضاً إصلاح قانون العمل، ووضع قوانين جريئة لجلب الاستثمار الخارجي القادر على خلق مواطن الشغل، والذي لن يأتي إلا في صورة وجود رؤية وطنية موحدة ورسائل طمأنة تشجعه على القدوم إل تونس. وفي الحقيقة، هذا غير ممكن بعد إعلان الدولة حرباً على المجتمع المدني والجمعيات التي تأتي بخبراء ينشرون الخبرة وينقلون تجارب دولهم. التضييق على المجتمع المدني ومنعه من نشر الوعي والثقافة الديمقراطية، سينعكس سلباً على المجتمع التونسي، خاصة وأن مستوى الوعي في تونس منخفض جداً، وهو ما سمح للشعبوية بالتغلغل في مجتمعنا. فبسبب الشعبوية الزائدة والمغالطة وعدم مصارحة الشعب التونسي، قام الشعب باختيار خاطئ.

الآن بات من الضروري تعديل البوصلة والرجوع إلى طريق الحق ووضع المصلحة الوطنية في مقدمة الأولويات، وإلا فإننا نتجه نحو المجاعة والفقر المدقع وحتى الحرب الأهلية، خاصة مع تنامي الخطابات المتشنجة. والخطر الحقيقي بالنسبة لي هو أن تتحول تونس من الخطاب الشعبوي إل الخطاب الفاشي وإقصاء الآخر ومحاولة محوه من الحياة السياسية، وهو ما يشكل خطراً حقيقياً على نسيج الشعب التونسي. ما يهم الشعب حقيقةً هو محاربة الفقر والبطالة، أما موضوع الأيديولوجيات فيمكن وضعها جانباً والتركيز على ما يهم الناس.

*محمد علي العرفاوي/ الدوحة/ موزاييك أف آم 

*تصوير ومونتاج: حسام بوحلي